شهر رمضان والصوم الصحي الاسلامي خبير الاعشاب والتغذية العلاجية منذ عام 1986

احكام الصيام وفوائد الصيام خبير الاعشاب والتغذية العلاجية 00962779839388

السبت، 7 مارس 2015

الربانيون في شهر الصوم


الحمد لله الذي خلقنا لعبادته والصلاة والسلام على خاتم الأنبياء والمرسلين وأول العابدين ومن تبعه بإحسان إلى يوم الدين وبعد:
فإن الجمعية الإسلامية الأمريكية تتقدم إلى إخوانها المسلمين في أمريكا خاصة وفي العالم عامة بأصدق التهاني بحلول شهر
القرآن والذكر والدعاء والصيام والقيام. شهر بناء الأمة ورفع درجاتها. شهر سجل أعظم انتصارات الأمة يوم أعد رجالها ونساؤها وفق صبغة الربانيين فنصرهم الله تعالى على أنفسهم وأهوائهم وأعدائهم. ونحن نذكرهم بين يدى هذا البرنامج للربانيين في شهر رمضان بما ذكره الإمام الشهيد حسن البنا في رسالته "دعوتنا" بقوله: "ونحب أن يعلم قومنا – وكل المسلمين قومنا – أنهم أحب إلينا من أنفسنا، وأنه حبيب إلى هذه النفوس أن تذهب فداء لعزتهم إن كان فيها الفداء. ... وأن هذه العاطفة قد استبدت بقلوبنا، وملكت علينا مشاعرنا، فأقضت مضاجعنا، وأسالت مدامعنا ...". فنحن – والله – نرجو لكم خيري الدنيا والآخرة. وندعو لكم في السحر قانتين أن يلهم نفوسنا رشدهم وأن يهيئ لهذه الأمة ما يسعدها في الدارين، ونتوجه إليكم ببرنامج الربانيين في شهر رمضان:
أولاً: صدق التوجه إلى الله تعالى بالنية الخالصة إذ الصيام يراد به وجه الله تعالى ، وابتغاء مرضاته، ونيل ثوابه، والفوز بالجنة والنجاة من النار. وليس مجرد عادة سنوية.

ويعين على ذلك ما يلي:
1. حديث البخاري ومسلم بسندهما عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: كل عمل ابن آدم يضاعف الحسنة عشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف. قال الله تعالى: "إلا الصوم فإنه لي وأنا أجزي به" .. إذن للصيام مكانة خاصة عند رب العزة سبحانه وعليه فإن التعبد به من أقرب القربات.
2. أن الصيام يفسح للفطرة في نقائها. والأرواح في صفائها إلى أن تسمو إلى امتثال أمر ربها، متحررة من أسر الشهوات الغالبة، والأهواء الحادة، وتلك هي التي تعرق سير السالكين إلى الله تعالى.
3. أن الصوم يقوي إرادة الإنسان واختياره عن وعي وعقل وقلب وروح، وتضعف انحراف الإنسان وراء شهوتي البطن والفرج وحدة الغضب، وكل ذلك يعالجة الصيام تلقائياً حتى نكون ربانيين.

ثانياً: استشعار قيمة الوقت في رمضان لأنه بحق فرصة سامية لأصحاب القلوب الوععية والعقول الراجحة، فأول الشهر رحمة وأوسطه مغفرة وآخره عتق من النار. وفيه ليلة تطيل عمر الانسان في فعل الخيرات كل عام قرابة مائة عام وهي ليلة القدر وهي خير من ألف شهر. وفي حديث النبي صلاى الله عليه وسلم: "لو تعلم الأمة ما أعد الله لها في رمضان لتمنت أن يكون العام كله رمضان".
وفي الحق يرى كثيراً من المسلمين يرخصون ليلهم بالسهر مع التلفاز أو الأصدقاء. ويرخصون نهارهم في النوم أو الشراء. والأصل أن هذا الشهر شهر التعبد والقنوت. وقراءة القرآن والذكر والدعاء. والقيام والصدقة، والبر والصلة، والدعوة إلى الخير.
ويعين الأخ على ذلك أن يفكر بصدق دون أن يخدع يفسه أويخادع ربه لأن هذا شأن المنافقين لا الربانيين فيسأل الأخ نفسه: لو أتيح لي أداء أعمال إضافية في دائرة عملي الطبي أو الهندسي أو التعليمي ... الخ بأجر يضاعف فوق سبعمائة ضعف. وعمل ليلة واحدة يحصل على مرتب ألف شهر هل يرفض؟ ندع الإجابة لقلوب الربانيين الصادقين.

ثالثاً: العزم على أن نختم القرآن مرتين على الأقل واحدة في صلاة التراويح، وأخرى قراءة شخصية ذاتية. أما الأولى فيعين الأخ عليها ما رواه البخاري بسنده عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من قام رمضان إيماناً وإحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه" والقيام بغير القرآن كأنه جسد بلا رأس، والقيام بالقرآن بغير خشوع كأنه جسد بلا روح، بل الواجب استحضار العقل والقلب والوجدان مع آيات القرآن، ولنذكر أن من الصحابة من كانوا يختمون القرآن كل أسبوع مرة في غير رمضان، فإذا حل رمضان جعلوا ليلهم ونهارهم للقرآن، وأحب أن تقسم القرآن بين صلاة التراويح والتهجد أو القراءة الذاتية والأهم القراءة مع الأولاد في البيت، وعليه تكون هناك ختمة في خلوتك مع الله وحدك، وقراءة مع أهلك وأولادك, وأخرى مع إخوانك المسلمين في المسجد وبهذا تكتمل الحلقة الربانية.

رابعاً: مراجعة ما حفظ من القرآن سابقاً. ولقد كان جبريل عليه السلام يراجع سيدنا محمداً كل ما نزل من القرآن خلال العام في رمضان، فلما كان العام الذي مات فيه راجعه القرآن مرتين في شهر رمضان (رواه البخاري)
ولعل الأخ الذي حفظ ثم نسي يستنهض عزيمته بهذا التأسي بالحبيب صلى الله عليه وسلم ويحركه الخوف عندما يذكر حديث النبي صلى الله عليه وسلم: "من حفظ القرآن ثم نسيه لقى الله تعالى وهو أجذم" (رواه أبو داود) ونحتاج إلى كتابة الآيات التي حفظناها يوماً ما ثم مراجعتها. لعلنا إذل لقينا الله ارتقينا مع كل آية درجة عالية في جنات الفردوس ثم يبدأ مشوار المراجعة، ولعل صفاء العقل ونقاء الروح يساهم في سرعة التذكر ولا ننس قوله تعالى: "ولقد يسرنا القرآن للذكر فهل من مدكر" (القمر 17)

خامساً: الحرص على إفطار الصائمين في البيت أو في المسجد، سواءً أعددت طعاماً أو دفعت نقوداً ولو يسيرة لهذا الغرض لأن القليل من هذا العمل ثوابه كبير، وهو المغفرة لجميع الذنوب والعتق من النار، كل هذا لمن فطر صائماً على شربة ماء ربما لم يشترها، أو كوب من اللبن أو شق تمرة. هذا يدلنا على الفيض الرباني على عباده لو اتجهوا اليه مخلصين بأقل الأعمال، ولعل هذا مجال خصب للأخوة بإنفاق أعمالهم، وللأخوات بإعداد الطعام للصائمين فينال كل أجراً وافياً ومغفرةً كاملةً.

سادساً: الدعاء عند الفطر لما رواه ابن ماجه بسنده عن عبد الله بن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إن للصائم عند فطره لدعوةً ما ترد" ولقد روى أبو داود أن النبي صلى الله عليه وسلم كان لا يفوته هذا الدعاء عند الإفطار بقوله: "بسم الله، اللهم لك صمت وعلى رزقك أفطرت"
وكان ابن عمر يدعو فيقول: اللهم إني أسألك برحمتك التي وسعت كل شئ أن تغفر لي ذنوبي. وأحبذ لو دعا المسلم لجميع إخوانه المسلمين وأخواته المسلمات، وأن يردنا الله تعالى إلى شرعته، وأن يستعملنا لخدمة دعوته وأن يرد بنا المسجد الأقصى إلى المسلمين، وليت الأخ يذكر من يحضره من أهله أو أبنائه أو اخوانه في لقائه أو المسلمين في مسجده بالدعاء، فيغنم مرتين. ونشير إلى دور الأخت في تذكير أولادها بالدعاء عند الإفطار.

سابعاً: تعجيل الفطر وتأخير السحور لما رواه البخاري ومسلم بسندهما عن سهل بي سعد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لا يزال الناس بخير ما عجلوا الفطر"
وروى الترمذي بسنده عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: قال الله عز وجل: "أحب عبادي إلي أعجلهم فطراً"
أما السحور فقد كان هديه صلى الله عليه وسلم تأخيره لما قبل الفجر وحث على تناوله حيث روى مسلم وابن ماجه بسندهما عن أنس بن مالك أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "تسحروا فإن في السحور بركة"
وروى أحمد بسنده عن أبي سعيد الخدري أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "السحور أكله بركة، فلا تدعوه، ولو أن يجرع أحدكم جرعة من ماء، فإن الله و ملائكته يصلون على المتسحرين" وسماه الحبيب صلى الله عليه وسلم الغذاء المبارك في حديث رواه أبو داود.
إذن تتلاشى لدى المسلم مسألة الشره وحب الطعام ليعلو حب الله تعالى فوق كل شئ فهو يعجل الفطر ليس نهماً ولا شرهاً بل ليحبه الله تعالى ويؤخر السحور لأنه بركة، ولأن الله تعالى وملائكته يصلون على المتسحرين. هذا المعنى يجعلنا أسرع الناس إلى امتثال السنة في الإفطار عند المغرب على تمرات أو ماء أو عصير، ثم تصلي المغرب وتأكل، ولا تتسحر قبل منتصف الليل لتنام عن وقت السحور والسحر، ولتنام عن صلاة الفجر، فتجمع خسارة فقدان البركة وصلاة الله وملائكته وتفوت صلاة الفجر وهي أعظم الصلوات أجراً.

ثامناً: بذل المال والإكثار من الصدقات: وأرجو أن يراجع كل منا نفسه فلئن حسن صيامه ليكثرن بذله وعطاؤه، هكذا أخبرنا الإمام البخاري في صحيحه بسنده عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه "كان أجود الناس بالخير، وكان أجود ما يكون في رمضان حين يلقاه جبريل كان أجود بالخير من الريح المرسلة"
هذا معيار واضح وبسيط إن حسن صيامنا عظم إيماننا، وزادت الرغبة في بناء الآخرة، وإرضاء الملك سبحانه، وتوقي غضبه، فيكون البذل سهلاً على النفس لصفائها فلا تجد هذا التردد الشديد في غيره، وهناك من وجوه الخير وأهمها إطعام الفقراء والمساكين وكفالتهم في أي مكان من أرض الله تعالى، وابدأ بذوي القربى فإنها صدقة وصلة، ثم وجوه الخير مثل عمارة المساجد وتناء المدارس والدعوة إلى الله تعالى، والمستحب هنا أن تخرج زكاة المال ليتضاعف الأجر لأن من أدى فيه فريضة كمن أدى سبعين فريضة فيما سواه، هذا من قبيل المضاعفة الأصلية فمن أنفق ألف دولار في رمضان فكأنما أنفق سبعين ألف دولار، وزكاة الفطر هي طهرة للصائم وطعمة للمساكين كما قال النبي صلى الله عليه وسلم في حديث رواه أبو داود.
إذن هذا الشهر فرصة في بناء آخرتنا بشئ من رزق الله تعالى لنا في دنيانا.

تاسعاً: الإكثار من ذكر الله تعالى في هذا الشهر الكريم لما رواه ابن حبان في صحيحه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "فاستكثروا فيه من أربع خصال، خصلتين ترضون بهما ربكم، وخصلتين لا غناء لكم عنهما: فأما الخصلتان اللتان ترضون بهما ربكم: فشهادة أن لا إله إلا الله وتستغفرونه، وأما الخصلتان اللتان لا غناء لكم عنهما: فتسألونه الجنة وتعوذون به من النار"
هذه الخصال الأربع من الذكر والدعاء لا يستغني عنها عبد مشغول في إرضاء ربه أو نفع نفسه في آخرته فاجعلوا من أوقات الحركة الى العمل أو داخله أو العودة منه او الذهاب الى المسجد أو البيت أو غيره حية بذكر الله تعالى لعل الله يذكرنا بواسع رحمته وعظيم فضله. ولنذكر أن أشد ساعة تندم عليها يوم القيامة هي الساعة التي مرت دون ذكر الله عز وجل.

عاشراً: إصلاح ذات البين بين الأخ وأبويه وأهله وأولاده وأشقائه، وبين إخوانه المسلمين سواءً في جماعته أو الجماعات الأخرى إن كانت على المنهاج الصحيح، وهذا قبل بدء الشهر لآن الله تعالى يغفر فيه للعصاة إلا المسلمين المتباعدين المتناحرين وإذا أردنا أن نعرف أثر الخصومات الشخصية على قدر الرحمات التي تنزل للأمة كلها فلنعد إلى صحيح البخاري – كتاب ليلة القدر – الباب الرابع بعنوان: "رفع معرفة ليلة القدر لتلاحي الناس" أي لتخاصمهم في الحديث عن عبادة بن الصامت رضي الله عنه قال: "خرج النبي صلى الله عليه وسلم ليخبرنا بليلة القدر فتلاحى رجلان من المسلمين فقال: خرجت لأخبركم بليلة القدر فتلاحى فلان وفلان فرفعت"
والواضح من الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم عرف موعد ليلة القدر، وخرج ليخبر الصحابة والأمة بموعدها فتخاصم اثنان من المسلمين فنسيها النبي صلى الله عليه وسلم. ومن هذا الحديث الخطير نستنتج أن إثارة أية خصومة مع أي أخ مسلم تعني تأخير النصر، وضياع الأجر وذهاب البركة، وتفتيت الصف، وتمزيق الأمة فلعل رمضان يكون سبباً في وحدة الصف، وتصافي القلوب، ونحن أولى الناس بذلك.

هذه هي الوصايا العشر لكل أخ مسم وأخت مسلمة حتى لا تفوته حسنات هذا الشهر الكريم ورحماته، وحتى ينال رضا الله والجنة وينجو من غضبه وعقابه وهي تحتاج إلى صدق التوجه وقوة العزم وتنظيم الوقت ومجاهدة النفس وحفظ الجوارح وتصفية النفس، وتنقية الصدر، وأملنا فيكم كبير أن تكونوا بحق ربانيين حتى نفوز بسعادة الدارين، ونكون أهلاً ليمكن الله للإسلام بنا "ويقولون متى هو قل عسى أن يكون قريباً" (الإسراء 51) 
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين 

0 التعليقات:

الصوم مطهر للجسم



العلماء، عرب ومسلمون وعجم، على أن الصيام علاج للعديد من الأمراض الجسدية والنفسية، بما في ذلك تطهير جسم الانسان من السموم. ومعروف أن الأخيرة تتراكم في الجسد كنتيجة
لملوثات الهواء، الذي يستنشقه الإنسان، والمواد الكيميائية التي تلوث الطعام والشراب" نحن قوم لا نأكل حتى نجوع، وإذا أكلنا لا نشبع" (حديث شريف).
وحسب أطباء الاختصاص فإن جسم الإنسان يحاول، من حين لآخر، البحث عن وسيلة ليخلص نفسه من تلك السموم. وعند حدوث ذلك تنطلق السموم الى الدم متسببة في أن يشعر المرء بأن حالته ساءت. وأثناء هذه الدورة ربما يشعر الإنسان بالصداع، أو يصاب بالإسهال أو يعتريه الاكتئاب. وهنا يعتبر هؤلاء الصوم وسيلة فعالة وآمنة لمساعدة جسم الإنسان على انتزاع السموم من نفسه. وذلك من خلال إراحة الجسم من العبء المبذول في هضم الطعام، ما يسمح لأجهزة الجسم بأن تخلص نفسها من السموم وتسهيل عمليةا لشفاء.

سئل أحد المعمرين، الذي تجاوز سن التسعين من عمره عن سبب عمره المديد، فقال: "إني أعزو احتفاظي بالصحة والقوة والنشاط في سنوات كهولتي إلى أني أمارس الصوم منحين لآخر. ففي كل عام أصوم شهراً، وفي كل شهر أصوم أسبوعاً، وفي كل أسبوع أصوم يوماً، وفي كل يوم آكل وجبتين بدلاً من ثلاث. وفي أثناء الصوم أكثر من شرب الماء،وقليل من عصير الفاكهة الطازجة، أو ملعقة صغيرة من عسل النحل، إذا وجدت أني لم أعد قادراً على مواصلة العمل وأداء واجباتي اليومية".
ويقول معمر آخر تجاوز المائة من عمره: "إن تقشفي في المعيشة وتمسكي بأبسط المأكولات، كان من أهم ما تتميز به حياتي عن حياة من كانوا يعيشون معي من الأقارب والأصدقاء، فرغم ثرائي الوفير وتوافر أسباب الحياة المفعمة لي فقد حييت حياة خالية من الإسراف معظم أيامي، وكان غذائي المحبوب اللبن والجزر والخبز الجاف.
وكنت أصوم فترات متعددة في كل عام، فجنبت نفسي ويلات المرض ومتاعب الشيخوخة".

الصيام نظام حماية
وبالاضافة إلى ذلك، فإن الصيام في حد ذاته مفيد للجسم ليس، فقط، كنظام حماية أثناء المرض، أو أثناء دورات الانحدار التي تعتري الإنسان أثناء التخلص من السموم، وإنما يجعل الإنسان يمنح أعضاء جسمه فترة راحة.وبذلك يمكنه أن يوقف ولو وقتياً عملية الشيخوخة، فيعيش عمراً أطول ويتمتع بحياة أكثر صحة أثناء الصيام. وتدل الإحصاءات التي حصل عليها قسم الأبحاث بجامعة وسترن ريزوف الأمريكية، على أن عدداً قليلاً يموتون بكبر السن وبلوغ المرحلة الأخيرة من مراحل الشيخوخة، وأن الغالبية تموت قبل سن الشيخوخة،وقد قام هذا المعهد بتشريح ما ينيف على عشرين ألف جثة، فلم يجد من بينها إلا بضع مئات ماتوا بالشيخوخة الحقة أما الباقي فماتوا نتيجة لإصابتهم بأحد الأمراض التي أصبحت تصيب الإنسان المتحضر، نتيجة للإفراط في الأكل والإسراف في المعيشة، مثل ارتفاع ضغط الدم والجلطة والذبحة والسرطان وأمراض القلب وتضخم الكبد والتهاب الكلى والمرارة. فغالبية الناس لا يموتون ميتة طبيعية، ولكنهم يقتلون أنفسهم بما يأكلون. وقابلية المرء للاحتفاظ بصحته وقوته إلى نهاية العمر، ليست مجرد صدفة، بل أساسها علمومعرفة وإتباع أساليب صحيحة في الأكل والمعيشة، يسير الإنسان عليها منذ الصغر.
ومعروف أن جميع الأديان السماوية حثت على الصوم كوسيلة للعبادة، وتهذيب الروح والنفس والبدن. ومن مآثر الدين الإسلامي أنه يؤكد أهمية الصوم، بجعله أحد الفروض الخمسة فيقول الله تعالى: (وأن تصوموا خير لكم إن كنتم تعلمون) وقال عليه الصلاة والسلام: (ما ملأ ابن آدم وعاء شراً من بطنه، حسب ابن آدم لقيمات يقمن صلبه) وقال أيضاً: (جاهدوا أنفسكم بالجوع فإن الأجر في ذلك كأجر المجاهد في سبيل الله) وقال صلوات الله عليه: (أفضلكم عند الله منزلة يوم القيامة أطولكم جوعاً وأبغضكم عند الله يوم القيامة كل أكول وشروب). ويحكى أن المقوقس ملك مصر أهدى النبي، صلى الله عليه وسلم، جارية وطبيباً وبغلة، فأما الجارية فهي مارية القبطية، فتزوجها الرسول صلى الله عليه وسلم، وأماالبغلة فاتخذها مطية له، وأما الطبيب فمكث مدة طويلة لم يقبل عليه أحد يشكو مرضاً، فقال للنبي صلى الله عليه وسلم: (مكثت فيكم مدة طويلة ولم يأتني مريض، فأجاب النبي بقوله المأثور: " نحن قوم لا نأكل حتى نجوع وإذا أكلنا لا نشبع").

وخلال الصيام -حسب الأطباء- تستمر عملية افراز السموم، بينما يقل دخول كميات جديدة من السموم. ويترتب على ذلك انخفاض السمية العامة للجسم. والطاقة التي عادة يستخدمها الجسم لإتمام عملية الهضم، يعاد توجيهها إلى الجهاز المناعي ونمو الخلايا وعملية إزالة السموم. وينخفض العبء الملقى على جهاز المناعة بدرجة كبيرة، ويرتاح الجهاز الهضمي من أي التهاب نتيجة نشأة الحساسية للطعام، كما تنخفض دهنيات الدم فيصبح الدم أخف من ذي قبل، ويزيد حجم الأكسجين الوارد إلى الأنسجة وتتحرك كرات الدم البيضاء بكفاءة أكبر، وتنطلق المواد الكيميائية المخزنة في الدهون داخل الجسم مثل مبيدات الحشرات والأدوية، كما يصبح وعي الإنسان بجسده وتذوقه للطعام وإحساسه بالجو المحيط أكثر إدراكاً.وبسبب هذه التأثيرات للطعام فإن الصيام يساعد على أن يبرأ الانسان من مرضه بسرعة أكبر وأن يغسل كبده ويطهره، وكذلك الكلى والقولون، وينقي الدم ويساعده على أن يفقد الوزن الزائد، ويتخلص من الماء المتجمع وتدفع بالسموم خارج الجسم وتنقي العينين واللسان وتطهر النفس. التخلص من التعب وأثناء الصيام، ونتيجة انطلاق السموم من الجسم، يقول هؤلاء الاختصاصيون إن بعض الناس قد يشعر بالتعب أو ظهور رائحة للجسم، أو حدوث ما يشبه جلداً خشناً مقشراً، أوطفحاً جلدياً، أو حدوث حالات صداع أو دوخة أو تهيج وقلق وتشوش ذهني وغثيان وسعال وإسهال وبول غامق اللون وبراز غامق اللون كريه الرائحة، وأوجاع بالجسم، وأرق وإفراز مخاط من الجيوب الأنفية والشعيبات الهوائية، أو متاعب في الرؤية أو السمع، وهذه الأعراض ليست خطيرة، وسوف يجتازها الجسم بسرعة، وهي نتاجخروج السموم من جسم الإنسان.

ولتخفيف هذه الأعراض على الصائم أن يعمل حقنة شرجية يومياً من الليمون من أجل تنظيف القولون، وتعمل بالطريقة التالية:
أضف عصير ثلاث ليمونات إلى نصف جالون من الماء الدافئ (تأكد من عدم استعمال الماء البارد جداً أو الماء الدافئ جداً) وضع كل المحلول في كيس الحقنة الشرجية (تباع فبالصيدليات) ولا تستخدم الفازلين لتزييت طرف الحقنة، التي ستدخلها في فتحة الشرج، واستعمل بدلاً من ذلك زيت هذا الفيتامين عن طريق ثقب كبسولة فتامين (هـ)
وعصر محتواها على طرف الحقنة. وخذ وضع السجود وأفرغ محتوى الحقنة الشرجية ثم استلق على ظهرك ومن ثم على جانبك الأيسر، وأثناء ذلك قم بتدليك منطقة القولون من البطن للمساعدة على تفكيك المادة البرازية، وابدأ بالاستلقاء على جانبك الأيمن وحول أصابعك بالتدريج إلى أعلى ناحية أسفل القفص الصدري، ثم اعبر بطنك بالعرض،
ثم إلى الجانب الأيسر السفلي. ولاحظ أن اضافة جالون من الماء يعتبر كمية كبيرة من الماء. وفي حالة إحساسك بالألم أثناء عملية الحقن أوقف تدفق الحقنة وأبق في نفس وضعك ثم خذ نفساًعميقاً عدة مرات حتى يختفي الألم، ثم استمر في حقن السائل. إبق السائل داخل جسمك لمدة 3-4 دقائق قبل الذهاب إلى الحمام لإفراغ المخلفات، ثم اذهب
إلى الحمام لإخراج جميع الفضلات عبر فتحة الشرج.

نصائح مهمة للصائم
وهنا بعض النصائح المهمة التي يقدمها للصائمين أطباء الاختصاص للعمل بها:
قبل وأثناء الصيام دلك جسمك بفرشاة جافة لتساعد على تخليص الجسم من السموم، وإزالة خلايا الجلد الميتة. وقم بعمل التدليك باستخدام فرشاة ذات شعر خشن طبيعي ومقبض طويل حتى تتمكن من تدليك ظهرك دائماً، استخدم الفرشاة في اتجاه القلب من الرسغ إلى الكوع، ومن الكوع إلى الكتف، ومن الكاحل إلى الركبة، ومن الركبة إلى مفصل الحوض وهكذا. إن هذا التدليك من شأنه أن يزيل كميات كبيرة من خلايا الجلد الميتة، فيحرر مسام الجلد من العوائق، وبذلك يساعد على إفراز السموم. وهذا بدوره سوف يؤدي إلى تحسين الدورة الدموية. واحذر استخدام هذه الطريقة في المناطق المصابة بالحبوب، أو الأكزيما أو الصدفية، وكذلك في المناطق المتشققة من الجلد أو التي بها ندوب حديثة أو دوالي منتفخة أو بارزة.
إذا كنت تستخدم طقم أسنان فأبقه في فمك طوال فترة الصيام وذلك لمنع انكماش اللثة.
أثناء الصيام، ومع انطلاق السموم من جسمك، ربما تجد لسانك مغطى باللون الأبيض،
وربما تشعر بمذاق غير مستحب في الفم، ومن أجل حل هذه المشكلة جرب غسل الفم بعصير الليمون الطازج.
أثناء الصيام تأكد من أنك تأخذ قسطاً وافراً من الراحة.
إذا كان لديك انخفاض في سكر الدم، فلا تصم واستشر طبيبك، لأن في ذلك خطورة على صحتك.
إذا كنت فوق الخامسة والستين من العمر ولا تحب تناول الخضر والفواكه، أو عصائرها، فعليك باستخدام المكملات الغذائية، مثل الفيتامينات والمعادن والأحماض الأمينية الأساسية خلال فترة المساء

0 التعليقات:

فوائد الصوم



خبراء طبيون متخصصون في علوم التغذية أن للصيام فوائد علاجية كثيرة. وكان ذلك منذ ما قبل الميلاد، وعلى مدى العصور، التي سبقت بزوغ فجر الاسلام والقرون التيتلته. وقد استخدم الصيام في شكل يختلف قليلا عن فريضة الصيام في الاسلام. حيث يمتنع الصائم عن الطعام والشراب، كأسلوب طبي علاجي بوسائل شتى.. ومن قرن إلى قرن،ظل الصوم طريقة علاجية تتناقله الأجيال الطبية، منذ ولد الطب مع الحكمة.



فقد اكتشف عالم التغذية الأميركي "وايلر"، بعد قرون مما بشر به الاسلام عن فوائد الصيام، أن الصيام يحدث تجديدا لعشرة في المئة من خلايا الجسم، في العشر الأول منرمضان، وخلال الأيام العشرة التالية يحدث تجديدا بنسبة 66 في المئة من خلايا الجسم. أما العشرة الثالثة فيحدث تجديدا لجميع خلايا الجسم.
وأثبت كذلك، أن التركيز يكون في أعلى حالاته خلال نهار رمضان، وتزيد المناعة عشرة أضعاف المناعة العادية للإنسان. واكتشف "وايلر" كذلك أن هناك حالات مرضية كانيعتقد أنها تتأثر سلباً بالصوم، مثل آلام الكليتين وتكوين الحصيات، لكن على العكس، تم اكتشاف أن صوم رمضان يساعد في تركيز املاح الصوديوم في الكلى. وهذه الاملاح تذيبالحصوات التي تتكون في الكلى، خصوصاً اذا ما تم تناول كميات كافية من السوائل.

فوائد الصوم الطبي
ونظراً للفوائد العديدة، التي يحققها الصوم، فقد أوجد الأطباء ما أطلقوا عليه "العلاج بالصوم الطبي"، وهو احدى طرق الطب البديل الحديثة، ويقوم على الماء والعسل والفيتامينات والاملاح المعدنية.
وكان الصوم بالماء عرف منذ القدم.. ففي مرجع طب التبت الكبير "تشجودشي" في القرن السادس قبل الميلاد، خصص فصل كامل تحت عنوان "العلاج بالطعام والعلاج بالصوم".
وفي مصر القديمة، وبشهادة هيرودت، وهو مؤرخ اغريقي (450 قبل الميلاد) تبين أن المصريين القدماء كانوا يصومون ثلاثة ايام من كل شهر.. كما أنهم نجحوا في علاج مرض الزهري بالصوم الطويل. ولاحظ هيرودت أنهم كانوا أيامها، وربما بسبب هذا الصوم، أحد أكثر الشعوب صحة. وفي اليونان القديمة، صام الفيلسوف ابيقور (القرن السادس قبلالميلاد) اربعين يوماً قبل أن يؤدي الامتحان الكبير في جامعة الاسكندرية لشحذ قواه العقلية وطاقة الابداع عنده.
أما سقراط (470-399 قبل الميلاد) فكان يصف للمرضى في أحرج المراحل أن يصوموا وكان يقول عن عمل الصوم: "كل إنسان منا في داخله طبيب وما علينا إلا أن نساعده حتىيؤدي عمله".

ثم جاء الروماني "جالينوس" في القرن الثاني الميلادي، وأوصى بالصوم كعلاج لكل أعراض "الروح السالبة"، ويعني بذلك حالات الحزن وفقد الحب وفرط التوتر.


ثم انتقل الامر إلى الشيخ الرئيس أبو علي ابن سينا (780-1037 م) الذي لم يتنازل عن الصوم كدواء، بل كان مفضلا لديه، وكان يصفه للغني والفقير ويعالج به الزهري والجدريوأمراض الجلد.


وتطول القائمة حتى تبلغ عصرنا الحاضر.

ففي اميركا كان "هنريك تانر" وكتابه "الصوم أكسير الحياة"، ثم "آبتون سنكلير" المدافع الصلب عن العلاج بالصوم (وكلاهما بلغ من العمر تسعين عاماً).


وحتى الآن ما زال في ساحة العلاج بالصوم أسماء كثيرة: منها بوشنجر الألماني وآلان كوت الأميركي وشيلتون الإنجليزي، والبطل العالمي للملاكمة في الوزن الثقيل محمد عليكلاي الذي كان يشكو من داء باركنسون وزيادة الوزن وخلال صومه مدة ثلاثة أسابيع تحسن أكثر من 60%. ولو كانت ظروفه تسمح لمتابعة الصيام إلى أربعين يوما لكان التحسنأكثر من ذلك.


وقد أكد العالم الفرنسي "بلزاك" -وكان أشهر علماء عصره- اهتمامه بالصوم العلاجي، فقد كان يرى أن يوماً واحداً يصومه الإنسان أفضل من تعاطي ما يشير به الأطباء منالدواء.



وكثيراً ما أشاد العالم "سينكا" بالأطباء القدامى الذين كانوا يشيرون على مرضاهم بالصيام؛ بل إن "كوبنلوس" الطبيب الإغريقي كتب في السنة العاشرة الميلادية معللاً ما لوحظ منأن الشفاء أسرع إلى المرضى الأرقاء منه إلى المرضى الأحرار، يقول: "إن هذا يرجع إلى أن الأرقاء أكثر دقة في اتباع نظام الصوم العلاجي".


وقد تبين علمياً أنه في حال انقطاع الإمداد بالطعام من الخارج ينتقل الجسم إلى تغذية نفسه من المخزون الداخلي في أنسجته المختلفة باستثناء القلب والجهاز العصبي.


وقد قدر العلماء أن الاحتياطي الذي يمكن الاعتماد عليه داخل الجسم يصل إلى 40-45% دون خطر يذكر. فكريات الدم الحمراء تنقص في البداية ولمدة أسبوعين، ثم تبدأ الكرياتالجديدة الشابة في الظهور والتكاثر. ومع انهيار الخلايا الشائخة وتحطمها يحدث ميل خفيف إلى الحموضة، لكن "احمضاض" الدم لا يحدث أبدا ولا تتغير العظام لكن نخاع العظام،ينكمش قليلا، نظرا لوفرة ما يحتويه من مواد غذائية مدخرة يساهم بها في عملية التغذية الداخلية.



وفي الصوم الطبي، يبقى وزن الكليتين ثابتاً تقريباً. أما الكبد فإن وزنه ينقص، لكن هذا النقص يكون على حساب المدخر من الماء والجليكوجين (السكر المختزن) دون المساسبتركيب الخلايا أو عددها.


وبينما يمكن أن ينقص وزن العضلات بنحو 40%، فإن عضلة القلب لا تخسر أكثر من 3%، وفي الحالتين يعود النقص إلى انكماش الخلايا وليس إلى نقصان عددها.



ومن الجدير بالذكر أن القلب يرتاح كثيرا عند الصوم، إذ تنخفض ضرباته إلى 60 ضربة في الدقيقة وهذا يعني أنه يوفر مجهوداً يعادل 28800 دقة كل 24 ساعة.



والقاعدة أن الجسم يعطي من مخزون المواد العضوية، ثم غير العضوية، أي أنه يعطي أولا من السكريات، ثم الدسم وبعض البروتين، لكنه لا يفرط بسهولة في المعادن ومايشابهها. فالحديد المتخلف عن حطام الكريات الحمراء القديمة يتم تجميعه وتخزينه في الكبد من جديد، ليؤخذ منه عند الحاجة. لهذا لا يحدث فقر الدم المتسبب عن نقص الحديد فيأثناء الصوم. وبشكل عام فإن الانتقال إلى التغذية الداخلية يضمن نوعا من التوازن الغذائي المحكم في حدود ما هو مطلوب حيويا. وحسب هذا لا تحدث أبدا أي من أعراض سوءالتغذية التي تلاحظ في المجاعات، بل حتى في بعض حالات الوفرة عند زيادة السكريات على حساب البروتينات على سبيل المثال.



ويؤكد الطبيب "هيلموت لوتزينر" من مدينة "أوبرلينجين" الألمانية أن الصيام يفيد الروح والجسد ويتجاوز كونه "نظاما للحمية" فقط.
وأضاف "لوتزينر" أن من المهم تجنب التوترات والإجهاد وتحقيق الهدوء النفسي قبل بدء الصوم، مشيرا إلى أن الصيام لن يكون مفيدا على المدى الطويل إلا إذا كان بداية لتغيير فيأسلوب الحياة.


ومن جهته، أوضح "ماريون نوتيغ" المتخصص في علوم التغذية في العيادة الخاصة بالصيام في منطقة سولس فارمسدورف المطلة على بحر البلطيق، أنه "يمكن لأي شخص أنيصوم من حيث المبدأ ما عدا المرضى والأطفال والسيدات الحوامل والأمهات المرضعات".


وينصح "نوتيغ" بالصوم تدريجيا بتناول وجبات خفيفة في اليوم الأول وفقا لطريقة "بوشنجر" التي طورها الدكتور "أوتو تشنجر"، وهو ألماني أسس عيادات متخصصة في الصيامتحمل اسمه بأوروبا.


وقال "لوتزينر" إن الجسم يستعد ببطء للأيام التالية التي يتم خلالها استهلاك عشر السعرات الحرارية التي تم امتصاصها.



أنواع الصوم الطبي
وكما نلاحظ، فان الصيام العلاجي يختلف عن صيام العبادة. وفيه يعطى الجسم فرصة لالتقاط أنفاسه، إن صح التعبير، حيث تستهلك عملية الهضم 30% من طاقة الجسم. وبالصيامتوجه هذه الطاقة لنواح أخرى أهمها العلاج.


وهناك أنواع مختلفة من الصيام الذي يصفه الأطباء الطبيعيون. فمنه ما يقتصر طعام الصائم في أثنائه على الماء، ومنه ما يقتصر على الماء وعصير الفواكه، ومنه ما يسمحبالحساء أيضاً. كما أن منه ما يتم عمله بتبادل مع الأكل الخفيف.



وهناك العديد من الأنظمة الغذائية العلاجية تبدأ بفترة صيام قصير، قد لا تزيد على يوم واحد يقتصر فيه الصائم على الماء من أجل تنظيف الجسم من السموم أثناء الصيام، لأنّالجسم يوجه الطاقة التي يصرفها عادة على عملية الهضم، إلى عملية الشفاء أولا. ولعدم وجود المواد الغذائية التي تلقى إليه يومياً عادة مما يزيد من العبء المسبب أصلا للمرضثانياً، ولأنّ الإنسان، والجسم تبعاً لذلك، يعيش جواً نفسياً أحسن ثالثاً.



وهذا العامل النفسي مفهوم تماماً، أو هكذا يفترض، لك أجمع خبراء طبيون متخصصون في علوم التغذية أن للصيام فوائد علاجية كثيرة. وكان ذلك منذ ما قبل الميلاد، وعلى مدى العصور، التي سبقت بزوغ فجر الاسلام والقرون التيتلته. وقد استخدم الصيام في شكل يختلف قليلا عن فريضة الصيام في الاسلام. حيث يمتنع الصائم عن الطعام والشراب، كأسلوب طبي علاجي بوسائل شتى.. ومن قرن إلى قرن،ظل الصوم طريقة علاجية تتناقله الأجيال الطبية، منذ ولد الطب مع الحكمة.


لمن جرب الصيام، وخصوصاً عندما يكون عبادياً. وهذا لا يعني بأن العامل الثالث لا يتحقق إلا إذا آمنت بالصيام العبادي،وإنما يعني أن الصائم تعبدا يكون، كتحصيل حاصل، في أجواء روحانية أعلى من المعتاد، فلا يلتفت إلى أن مرد ذلك هو، جزئيا، بفعل الصيام. ولكن الحقيقة هي أن الصيام بحد ذاتهرافع لروحانية الصائم لرفعه هذا الحمل المادي، وهو الطعام، من كيانه. ولهذا شرع الصيام في كل الأديان.


أما شدة الصيام ومدته فتعتمد على عوامل عدة أهمها الحالة المرضية نفسها، ومدى تحمل المريض للصيام، وطبيعة النظام العلاجي في ذلك المصح والمستشفى. فإذا كان المريضبديناً وصحته العامة ليست سيئة كثيراً استطاع المعالج أن يضعه في صيام طويل وقاسٍ لإزالة أو تخفيف المرض أولا، ولتقليل وزنه الذي هو في الحقيقة عبء على الجسم ثانياً.واعلم أن الإنسان يستطيع تحمل الامتناع عن الطعام لمدة طويلة لوجود مخزون كبير في جسمه يغذي جسمه "داخليا"، وخوف الإنسان من أنه سيموت جوعاً في الصيام الطويل لاصحة له ولا مبرر له.


كما أنه من الممكن اتباع الصيام العلاجي في البيت بشرط ألا يزيد على أيام معدودة، وأن يكون الجسم لائقاً لذلك، وأن يعرف المريض ماذا يتناول أثناء الصيام. بل إن ذلكضروري لكل الناس، مرضى وأصحاء، لتجديد حيوية الجسم بإعطائه عطلة ولو لأيام معدودة. وقد ترجم كتاب يبحث في الصيام عموما، وفيه نظام صيام صحي لمدة أسبوع واحد،واسم الكتاب "أسرار الصيام الناجح" تأليف الطبيب الألماني "لتسنر".



حالات الصوم الطبي

يستعمل الصوم طبيا في علاج حالات كثيرة، والوقاية في حالات أخرى كثيرة أيضاً، فهو له دور في: 

علاج اضطرابات الأمعاء المزمنة، والمصحوبة بتخمر.

علاج زيادة الوزن الناشئة من كثرة الطعام.
علاج أمراض الكلى الملتهبة والحادة والمزمنة علاجاً شافياً. 

علاج أمراض القلب، كما يقي من مرض البول السكري. 

علاج أمراض زيادة الحساسية، وأمراض البشرة الدهنية. 

وتقوم مصحات كثيرة بالعلاج بالصوم، وعملها تخليص الجسم من نفايات الغذاء، ودسمه، وكثرته، وكذلك من السموم الناتجة عن التخمرات الغذائية، وبقاء فضلاتها في الجسم. 

ويعتبر الصوم راحة إجبارية لمختلف أجهزة الهضم، التي هي في مقدمة ما يُصاب من الجسم بالأمراض. 

ولعل أشهر المصحات هي المصحة التي تحمل اسم الدكتور "هيزيج لاهان"، في درسون بسكسونيا، ويقوم العلاج فيها كاملاً على الصوم. 

ويقول الدكتور أليكسيس كاريل: "إن الأديان كافة تدعو الناس إلى وجوب الصوم؛ إذ يحدث أول الأمر شعور بالجوع، ويحدث أحياناً التهيج العصبي، ثم يعقب ذلك شعور بالضعف،بيد أنه يحدث إلى جانب ذلك ظواهر خفية، أهم بكثير منه، فإن سكر الكبد سيتحرك، ويتحرك معه الدهن المخزون تحت الجلد، وبروتينات العضل والغدد، وخلايا الكبد، وتضحّيجميع الأعضاء بمادتها الخاصة، للإبقاء على كمال الوسط الداخلي، وسلامة القلب، عدا أن الصوم ينظف أنسجتنا".

0 التعليقات:

النفس والصيام



الإسلام دين تربية للملكات والفضائل والكمالات، وهو يعتبر المسلم تلميذًا ملازمًا في مدرسة الحياة، دائمًا فيها، دائبًا عليها؛ يتلقَّى فيها ما تقتضيه طبيعته من نقصٍ وكمالٍ، وما تقتضيه
طبيعتها من خيرٍ وشرٍّ، ومن ثمَّ فهو يأخذه أخذ المربِّي في مزيج من الرفق والعنف، بامتحانات دورية متكررة، لا يخرج من امتحان منها إلا ليدخل في امتحان؛ وفي هذه الامتحانات من الفوائد للمسلم ما لا يوجد عُشره ولا مِعْشاره في الامتحانات المدرسية المعروفة.

وامتحانات الإسلام متجلِّية في هذه الشعائر المفروضة على المسلم، وما فيها من تكاليف دقيقة، يراها الخليُّ الفارغ أنواعًا من التعبدات تُتلقَّى بالتسليم، ويراها المستبصر المتدبِّر ضروبًا من التربية شُرعت للتزكية والتعليم، وما يريد الله ليضيِّق بها على المسلم، ولا ليجعل عليه في الدين حرجًا، ولكن يريد ليطهره بها، وينمِّي ملكات الخير والرحمة فيه، وليقوِّي إرادته وعزيمته في الإقدام على الخير، والإقلاع عن الشر، ويروِّضه على الفضائل الشاقة، كالصبر، والثبات، والحزم، والعزم، والنظام، وليحرره من تعبُّد الشهوات له وملكها لعنانه، وما زالت الشهوات الحيوانية موبقًا للآدمي، منذ أكل أبواه من الشجرة، حكمة من الله في تعليق سعادة الإنسان وشقائه بكسبه، ليحيا عن بيِّنةٍ، ويهلك عن بيِّنةٍ.

في كل فريضة من فرائض الإسلام امتحان لإيمان المسلم، ولعقله، وإرادته، ودع عنك الأركان الخمسة، فالامتحان فيها واضح المعنى بيِّن الأثر؛ وجاوِزْها إلى أُمَّهات الفضائل التي هي واجبات تكميلية، لا يكمل إيمان المؤمن إلا بها، كالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والصدق في القول والعمل، والصبر في مواطنه، والشجاعة في ميدانها، والبذل في سبله، فكلُّ واحدة، أو في كلِّ واحدة منها امتحان تكميلي للإيمان، تعلو فيه قِيَمٌ، وتهبط قِيَمٌ، وفي التوحيد امتحان لليقين، واليقين أساس السعادة، وفي الصلاة امتحان للإرادة، والإرادة أصل النجاح، وفي الحج امتحان للهمم بالسير في الأرض، وهو منبعُ العلم، وفي الصوم امتحان للصبر، والصبر رائد النصر، ونحن نريد من الامتحان هنا معناه العصري الشائع.

غير أنَّ الصوم أعسرها امتحانًا؛ لأنَّه مقاومة عنيفة لسلطان الشهوات الجسمية، ومقاوم الشهوات في نفسه أو في غيره قلَّما ينتصر؛ فإن انتصر فقلَّما يقف به الانتصار عند حدِّ الاعتدال، بل كثيرًا ما يجاوزه إلى أنواع من الشذوذ والتنطع، تأباها الفطرة والعقل، وهذه الروح المقاومة في الصوم هي التي راعتها الأديان والنِّحل، فجعلت الصوم إحدى عبادتها، تروض عليه النفوس المطمئنة، وتروض به النفوس الجامحة، ولكن الصوم في الإسلام يزيد عليها جميعًا في صوره ومدته، وفي تأثيره وشدته، فمدته شهر قمري متتابع الأيام، وصورته الكاملة فطم عن شهوات البطن والفرج واللسان والأذن، وكل ما نقص من أجزاء ذلك الفطام فهو نقص في حقيقة الصوم، كما جاءت بذلك الآثار الصحيحة عن صاحب الشريعة، وكما تقتضيه الحكمة الجامعة من معنى الصوم، فلا يتوهمنَّ المسلم أنَّ الصوم هو ما عليه العامة اليوم من إمساك تقليدي عن بعض الشهوات في النهار، يعقبه انهماك في جميع الشهوات بالليل، فإن الذي تشاهده من آثار هذا الصوم العرفي إجاعة البطن، وإظماء الكبد، وفتور الأعضاء، وانقباض الأسارير، وبذاءة اللسان، وسرعة الانفعال، واتخاذ الصوم شفيعًا فيما لا يحب الله من الجهر بالسوء من القول، وعذرًا فيما تبدر به البوادر من اللجاج والخصام والأيمان الفاجرة!! كلا، إنَّ الصوم لا يكمل، ولا تتمُّ حقيقته، ولا تظهر حكمته ولا آثاره إلا بالفطام عن جميع الشهوات الموزَّعة على الجوارح، وللأذن شهوات في الاستماع، وللعين شهوات في امتداد النظر وتسريحه على الجوارح كلِّها، وإنَّ له لضراوة بتلك الشهوات لا يستطيع حبسه عنها إلا الموفَّقون من أصحاب العزائم القوية، وأنَّ تلك الضراوة هي التي هوَّنت خطبه حتى على الخواص، فلم يعتبروا صوم اللسان من شروط الصوم، وأعانهم على ذلك التهوين تقصير الفقهاء في تعريف الصوم، وقصرهم إياه على الإمساك عن الشهوتين، وافتتانهم بالتفريعات المفروضة، وغفلتهم عما جاء في السنة المطهرة من بيان لحقيقة الصوم وصفات الصائم.

صوم رمضان محكٌّ للإرادات، وقمع للشهوات الجسمية، ورمز للتعبُّد في صورته العليا، ورياضة شاقة على هجر اللذائذ والطيِّبات، وتدريب منظم على حمل المكروه من جوع وعطش وسكوت، ودرس مفيد في سياسة المرء لنفسه، وتحكُّمه في أهوائها، وضبطه بالجدِّ لنوازع الهزل واللغو والعبث فيها، وتربية عملية لخلق الرحمة بالعاجز المعدم، فلولا الصوم لما ذاق الأغنياء الواجدون ألم الجوع ولما تصوروا ما يفعله الجوع بالجائعين وفي الإدراكات النفسية جوانب لا يغني فيها السماع عن الوجدان، ومنها هذا؛ فلو أنَّ جائعًا ظلَّ وبات على الطوى خمسًا، ووقف خمسًا أخرى يصوِّر للأغنياء البِطان ما فعل الجوع بأمعائه وأعصابه، وكان حاله أبلغ في التعبير من مقاله، لما بلغ في التأثير فيهم ما تبلغه جوعةٌ واحدةٌ في نفس غنيٍّ مترفٍ.
لذلك كان نبيُّنا إمام الأنبياء، وسيد الحكماء، أجود ما يكون في رمضان.

ورمضان نفحة إلهية تهُبُّ على العالم الأرضي في كلِّ عام قمري مرة، وصفحة سماوية تتجلَّى على أهل هذه الأرض، فتجلو لهم من صفات الله عطفه وبرَّه، ومن لطائف الإسلام حكمته وسرَّه، فلينظر المسلمون أين حظُّهم من تلك النفحة، وأين مكانهم في تلك الصفحة.
ورمضان "مستشفى" زماني يجد فيه كلُّ مريض دواء دائه، يستشفي فيه مرضى البخل بالإحسان، ومرضى البطنة والنعيم بالجوع، والعطش، ومرضى الجوع والخصاصة بالشبع والكفاية.

ورمضان جبَّار الشهور، في الدهور، مرهوب الصولة والدولة، لا يقبل التساهل ولا التجاهل، ومن غرائب شؤونه أن معظم صائميه من الأغفال، وأن معظم جنده من الأطفال، يستعجلون صومه وهم صغار، ويستقصرون أيامه وهي طوال، فإذا انتهك حرمته منتهك بثُّوا حوله الأرصاد، وكانوا له بالمرصاد، ورشقوه ونضحوه، و(بهدلوه) وفضحوه، لا ينجو منهم مختفٍ ولا مختبئ في حان، ولا ماكر يغشُّ، ولا آوٍ إلى عشٍّ، ولا متستر بحشٍّ، ولا من يغير الشكل، لأجل الأكل، ولا من يتنكر بحجاب الوجه، ولا بسفور الرأس، ولا برطانة اللسان، كأنما لكل شيء في خياشيمهم رائحة، حتى الهيئات والكلمات، وهم قوم جريحهم جُبار الجرح، وقتيلهم هدر الدم.


سبحان من ضيَّق إحصاره

وصيَّر الأطفال أنصاره


وحرَّك الرِّيحين بُشرَى به

رُخاءه الهينَ وإعصاره




ورمضان مع ذلك كله مجلى أوصاف للوُصَّاف: حرم أهل المجون مما يرجون، وحبس لهم من مطايا اللهو ما يُزجون، وأحال –لغمِّهم- أيام الدجون، كالليالي الجون، فترحوا لتجلِّيه، وفرحوا بتولِّيه، ونظموا ونثروا، وقالوا فيه فأكثروا، وأطلَّ على الشعراء بالغارة الشعواء، فهاموا وجُنُّوا، وقالوا فافتنُّوا، قال إمامهم الحكمي: إنَّ أفضل يوم عنده أول شوال، وقال الغالون منهم والقالون ما هو أشبه بهم، ولو لم يكن لآخرهم (شوقي) إلا: (رمضان ولى).. لكفته ضلَّة، ودخنًا في اليقين وعلَّة، والرجل جديد، وله في العروبة باع مديد، وفي الإسلام رأي سديد، وفي الدفاع عنه لسان حديد، ونحن نعرفه، فلا نَفْرقه.
أما المعتدلون المراءون فمنهم القائل:


شهر الصيام مبارك

ما لم يكن في شهر آب


خفت العذاب فصمته

فوقعت في عين العذاب




ومنهم القائل:

يا أخا الحارث بن عمرو بن بكر

أشهورًا نصوم أم أعواما؟!


طال هذا الشهر المبارك حتى

قد خشينا بأن يكون لزاما




أما الوصف العبقري، والوادي الذي طم على القَريِّ، فهو قول الحديث الموحى: ((الصوم لي وأنا أجزي به)) وحديث الصادق: ((لخلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك)) وحديث الصحيح (للصائم فرحتان)) وقول الكتاب المكنون: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} [البقرة : 183]

0 التعليقات:

فوائد الصوم


لم يعد هناك أي شك لدى الباحثين المنصفين من أن الصوم هو ضرورة من ضرورات الحياة. وقد أثبتت الحقائق التاريخية والدينية والعلمية هذه المقولة. لقد عرف الإنسان الصوم ومارسه منذ فجر البشرية. وأقدم الوثائق التاريخية ما نقش في معابد
الفراعنة وما كتب في أوراق البردي من أن المصريين القدماء مارسوا الصوم وخاصة أيام الفتن حسب ما تمليه شعائرهم الدينية. وللهنود والبراهمة والبوذيين تقاليدهم الخاصة في الصوم حددتها كتبهم المقدسة ?

و لعل أبوقراط _ القرن الخامس قبل الميلاد _ أول من قام بتدوين طرق الصيام وأهميته العلاجية. وفي عهد البطالسة كان أطباء الإسكندرية ينصحون مرضاهم بالصوم تعجيلاً للشفاء. كما أن كافة الأديان السماوية قد فرضت الصيام على أتباعها ? كما يتبين لنا من النص القرآني فيقوله تعالى:

{ يا أيها الذين أمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم } [ سورة البقرة: الآية 183 ].

و الحقيقة أن الإنسان لا يصوم بمفرده، فقد تبين لعلماء الطبيعة أن جميع المخلوقات الحية تمر بفترة صوم اختياري مهما توفر الغذاء من حولها، فالحيوانات تصوم وتحجز نفسها أياماً وربما شهوراً متوالية في جحورها تمتنع فيها عن الحركة والطعام، والطيور والأسماك والحشرات كلها تصوم.

إذ معروف تماماً أن كل حشرة تمر أثناء تطورها بمرحلة الشرنقة التي تصوم فيها تماماً معتزلة ضمن شرنقتها. وقد لاحظ العلماء أن هذه المخلوقات تخرج من فترة صيامها هذه وهي أكثر نشاطاً وحيوية. كما أن معظمها يزداد نمواً وصحة بعد فترة الصوم هذه ?

و يعتبر العلماء الصوم ظاهرة حيوية فطرية لا تستمر الحياة السوية والصحة الكاملة بدونها. وإن أي مخلوق لابد وأن يصاب بالأمراض التي يعاف فيها الطعام إذا لم يصم من تلقاء نفسه، وهنا تتجلى المعجزة الإلهية بتشريع هذه العبادة. فالصيام يساعد العضوية على التكيف مع أقل ما يمكن من الغذاء مع مزاولة حياة طبيعية، كما أن العلوم الطبية العصرية أثبتت أن الصوم وقاية وشفاء لكثير من أخطر أمراض العصر ?

فمع قلة كمية الطعام الوارد إلى الأمعاء، يل ضغط البطن على الصدر، فينتظم التنفس ويعمل بصورة أكثر راحةً وانسجاماً، إذ تتمدد الرئتان دون عوائق، ويقل العبء الملقى على القلب فتقل ضرباته لعدم الحاجة إلى بذل ذلك الجهد الكبير لدفع الدم إلى الجهاز الهضمي للعمل على هضم تلك الكميات الهائلة من الطعام.

و قبل كل شيء فإن الجهاز الهضمي يحصل على الراحة اللازمة لتجديد أنسجته التالفة، وحيويته التامة، كما أن قلة نواتج التمثيل الغذائي وفضلاته تسمح بفترة راحة لجهاز الإفراغ _ الكلي _ تجدد بها نشاطها وتجبر ضعفها، وبذا يكون الصوم فرصة ذهبية للعضوية لاستعادة توازنها الحيوي وتجديد نفسها بنفسها. وقد أكد البروفيسور نيكولايف بيلوي من موسكو في كتابه " الجوع من أجل الصحة 1976 " أن على كل إنسان _ وخاصة سكان المدن الكبرى أن يمارس الصوم بالامتناع عن الطعام لمدة 3 – 4 أسابيع كل سنة كي يتمتع بالصحة الكاملة طيلة حياته ?

أما ماك فادون ? من علماء الصحة الأمريكيين فيقول: إن كل إنسان يحتاج إلى الصوم وإن لم يكن مريضاً لأن سموم الأغذية تجتمع في الجسم فتجعله كالمريض فتثقله ويقل نشاطه فإذا صام خف وزنه وتحللت هذه السموم من جسمه وتذهب عنه حتى يصفو صفاءً تاماً ويستطيع أن يسترد وزنه ويجدد خلاياه في مدة لا تزيد عن 20 يوماً بعد الإفطار. لكنه يحس بنشاط وقوة لا عهد له بهما من قبل. وقد كان ماك فادون يعالج مرضاه بالصوم وخاصة المصابين بأمراض المعدة وكان يقول: فالصوم لها مثل العصا السحرية، يسارع في شفائها، وتليها أمراض الدم والعروق فالروماتيزم.....

أما الكسيس كاريل الحائز على جائزة نوبل في الطب فيقول في كتابه " الإنسان ذلك المجهول ": إن كثرة وجبات الطعام ووفرتها تعطل وظيفة أدت دوراً عظيماً في بقاء الأجناس الحيوانية وهي وظيفة التكيف على قلة الطعام، ولذلك كان الناس يصومون على مر العصور، وإن الأديان كافة لا تفتأ تدعو الناس إلى وجوب الصيام والحرمان من الطعام لفترات محدودة، إذ يحدث في أول الأمر شعور بالجوع ويحدث أحياناً تهيج عصبي ثم يعقب ذلك شعور بالضعف، بيد انه يحدث إلى جانب ذلك ظواهر خفية أهم بكثير، فإن سكر الكبد يتحرك ويتحرك معه أيضاً الدهن المخزون تحت الجلد. وتضحي جميع الأعضاء بمادتها الخاصة من أجل الإبقاء على كمال الوسط الداخلي وسلامة القلب. وإن الصوم لينظف ويبدل أنسجتنا، والصوم الذي يقول به كاريل يطابق تماماً الصوم الإسلامي من حيث الإمساك فهو يغير من نظام الوجبات الغذائية ويقلل كميتها.

و قد سئل أحد المعمرين وهو ميشيل أنجلو عن سر صحته الجيدة وتمتعه بنشاط غير عادي بعد أن تجاوز الستين من عمره فقال: إن السبب في احتفاظي بالصحة والقوة والنشاط إلى اليوم هو أني كنت أمارس الصوم من حين لآخر ?

و يرى الدكتور محمد سعيد السيوطي ? أن الصيام الحق يمنع تراكم المواد السمّية الضارة كحمض البول والبولة وفوسفات الأمونياك والمنغنيزا في الدم وما تؤهب إليم من تراكمات مؤذية في المفاصل، , الكلى _ الحصى البولية _ ويقي من داء الملوك _ النقرس _ وينقل أبحاث الغرب أن الصيام ليوم واحد يطهر الجسم من فضلات عشرة أيام، وهكذا فإن شهر الصيام يطهر الجسم من فضلات وسموم عشرة أشهر على الأقل.

و من هنا نرى الحكمة من أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بصيام ستة أيام من شوال، وحتى تكتمل عملية التنظيف، وأردفه بأيام معدودات من كل شهر لكمال الحيطة. يقول صلى الله عليه وسلم: " من صام رمضان وأتبعه بست من شوال كان كصوم الدهر " [ رواه الإمام مسلم عن أبي أيوب الأنصاري ].

و يكتب الدكتور إبراهيم الراوي عن أثر الصيام على القدرات الفكرية عند الإنسان ?: يؤثر الصيام في تنشيط الخلايا الدماغية التي تضاعف حيويتها لتوقف نشاط الجهاز الهضمي فيندفع الدم بغزارة إلى أنسجة المخ لتغذية تلافيفه، وتزويد الحجر الدماغية بالغذاء الأمثل لعملها.

نعم، إن المخ البشري يحتوي على 15 ألف مليون خلية ألهمتها القدرة الإلهية قابليات خارقة على التفكير والتعمق في المسائل المعقدة وحلها. وتزداد هذه القابليات مع زيادة ورود الدم إليها. وهكذا نرى أصحاب العقول المفكرة يصومون كل فترة لتجديد نشاط أدمغتهم.

و يتفق الباحثون على أهمية الصوم الحيوية من ناحية أن تخزين المواد الضرورية في البدن من فيتامينات وحوامض أمينية يجب ألا يستمر زمناً طويلاً، فهي مواد تفقد حيويتها مع طول مدة التخزين. لذا يجب إخراجها من " المخزن " ومن ثمَ استخدامها قبل أن تفسد. وهكذا فإن الجسم بحاجة من فترة لأخرى إلى فرصة لإخراج مخزونه من المواد الحيوية قبل تفككها وتلفها. وهذه الفرصة لا تتاح إلا في الصوم، وبالصوم وحده يتمكن الجسم من تحريك مخزونه الحيوي واستهلاكه قبل فوات أوانه، ومن ثم يقوم بتجديده بعد الإفطار ?

و قد بين ألن سوري Alain Saury ? قيمة الصوم في تجديد حيوية الجسم ونشاطه ولو كان في حالة المرض، وأورد حالات عدد من المسنين، تجاوزت أعمارهم السبعين، استطاعوا بفضل الصوم استرجاع نشاطهم وحيويتهم الجسمانية والنفسانية حتى أن عدداً منهم استطاع العودة غلى مزاولة عمله الصناعي أو الزراعي كما كان يفعل في السابق نسبياً.

لمحة غريزية عن الصيام:

الصيام هو حرمان البدن من المواد الغذائية ليوم أو أكثر. وقد دلت التجارب على أن حرمان الماء أشد تأثيراً من حرمان الغذاء ?فالإنسان يعيش حوالي 40 يوماً إذا أعطي الماء فقط. ويحصل الجسم على الطاقة أثناء الصيام من مدخراته السكرية أولاً والتي تكون على شكل غليكوجين مدخرة في الكبد والعضلات. وهذه تصرف خلال الأولى من الصيام. وبعد ذلك يلجأ البدن إلى مدخراته الشحمية، إلا أنه لا يستهلك الداخل منها في تركيب الخلايا الأساسية مطلقاً مهما طال أمد الصيام ?، ثم يعمد الجسم بعد ذلك إلى تجميع المواد الناجمة عن هذه العملية ويعيد استعمالها لاستخراج الطاقة ولصيانة الأعضاء والأنسجة الحيوية أثناء الصوم.

و في الصيام المديد، وبعد أن يستهلك البدن مدخراته من الغليوكوجين والشحوم، عند ذلك يلجأ إلى أكسدة المواد البروتينية ويحولها إلى سكر لتأمين ما يلزمه من الطاقة، وهذا يعني تخريبه للنسج البروتينية المكونة للحم العضلات وما يلحق من جراء ذلك من أذى بيّن يلحق الأعضاء المعنية [ ويدعو العلماء عملية إذابة المدخرات الدهنية ومن ثم بوتينات الجسم بعملية الانحلال الذاتي Autolyze ويستخدم فيها البدن العديد من الخمائر ]. وإن الحرمان الشديد يؤدي إلى ظهور اضطربات غذائية عصبية في الدماغ المتوسط مما يؤثر على الغدد الصم وعلى السلوك والانفعال النفسي ?

و من هنا نرى أهمية كون الصيام الإسلامي مؤقتاً من الفجر إلى الغروب دون تحريم لنوع ما من الأغذية مع طلب الاعتدال وعدم الإسراف في الطعام في فترة الإفطار. وقد سجل درينيك Dreanik ومساعدوه _ 1964 _ عدداً من المضاعفات الخطيرة من جراء استمرار الصيام لأكثر من 31 – 40 يوماً ? وتتضح هنا المعجزة النبوية بالنهي عن الوصال في الصوم.

عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " إياكم والوصال " قالها ثلاث مرات. قالوا فإنك تواصل يا رسول الله ؟ قال: " إنكم لستم في ذلك مثلي، إني أبيت يطعمني ربي ويسقيني " [ رواه الشيخان ].

و عن ابن عمرو أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " لا صام من صام الدهر " [ رواه البخاري ].

و قد غضب رسول الله صلى الله عليه وسلم عندما بلغه أن بعض المسلمين قرروا اعتزال النساء وصوم الدهر فقال: " أما والله إني أخشاكم الله وأتقاكم له، لكني أصوم وأفطر وأصلي وأرقد وأتزوج النساء فمن رغب عن سنتي فليس مني " [ رواه البخاري ومسلم ].

و عن عبد الله بن عمر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " بلغني أنك تصوم النهار وتقوم الليل فلا تفعل فإن لجسدك عليك حقاً، صم وأفطر، صم من كل شهر ثلاثة أيام فذلك صوم الدهر "، قلت: يا رسول الله إن لي قوة، قال: صم صوم داود عليه السلام، صم يوماً وأفطر يوماً، فكان يقول: يا ليتني أخذت بالرخصة. [ رواه البخاري ومسلم ].

و عن عبد الله بن عمرو أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " من صام الأبد صام ولا أفطر " [ رواه النسائي وهو حديث صحيح ].



صوموا تصحّوا:

عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " سافروا تربحوا، وصوموا تصحوا، واغزوا تغنموا "[ رواه الإمام أحمد وأخرجه الطبراني في الأوسط بلفظ: " اغزوا تغنموا، , صوموا تصحوا، , سافروا تستغنوا ". وأورده السيوطي مقتصراً على لفظ " صوموا تصحوا " ورمز له بالحسن. وقال المناوي في فيض القدير عن الزين العراقي: كلاهما سنده ضعيف ].

يقول صاحب الظلال في معرض تفسيره لآيات الصوم:... وذلك كله إلى جانب ما ينكشف على مدار الزمن من آثار نافعة للصيام في وظائف الأبدان، ومع أنني لا أميل إلى تعليق الفرائض والتوجيهات الإلهية بما يظهر للعين من فوائد حسية، إذ الحكمة الأصلية فيها هي إعداد الكائن البشري لدوره على الأرض، وتهيئته للكمال المقدر له في الحياة الآخرة..... مع هذا فإني لا أحب أن أنفي ما تكشف عنه الملاحظة أو يكشف عنه العلم من فوائد لهذه الفرائض، وذلك ارتكازاً إلى المفهوم من مراعاة التدبير الإلهي بهذا الذي ينكشف عنه العلم البشري. فمجال هذا العلم محدود لا يرتقي إلى اتساع حكمة الله في كل ما يروض به هذا الكائن البشري.....

فنحن حينما نصوم، إنما نتعبد بهذا الصوم خالقنا العظيم جل جلاله، الذي أمرنا بالصيام، امتثالاً لأمره سبحانه وخضوعاً لإرادته. وإن ما يكشفه العلم لنا من فوائد صحية لهذا الصوم فما هي إلا عظات، تزيد المؤمن إيماناً بصدق مبلغ الشريعة صلى الله عليه وسلم وحباً بالخالق البارئ منزل هذا التشريع.

لقد قام عدد من الباحثين الغربيين، ومنذ أواخر القرن الماضي، بدراسة آثار الصوم على البدن منهم هالبروك Holbrook الذي قال: ليس الصوم بلعبة سحرية عابرة، بل هو اليقين والضمان الوحيد من أجل صحة جيدة ?

و في أوائل هذا القرن قام الدكتور دووى Dewey بأبحاث موضوعية عن الصوم لخصها في كتابه " الصوم الذي يشفي ". كما قامت مناظرات عديدة تناقش هذا الموضوع لعل أهمها مناظرة Ecosse التي جمعت مشاهير الأطباء الريطانيين والمهتمين بتقويم الصحة وتدبير الطعام، كان على رأسهم طبيب الملك ويلكوكس Wilcox وقد أجمع الحاضرون على أهمية تأثير " الصوم الصحي " على عضوية الإنسان ?

و الصوم الصحي أو الصوم الطبي كما يسموه والذي قامت عليه دراسات الغرب يمكن أن تعرفه بأنه الإقلاع عن الطعام كلياً أثناء النهار ولا يسمح له إلا ببعض جرعات من الماء إذا ما أحس بعطش شديد ودعت الضرورة القصوى إليه.

و في المساء يعطى وجبة واحدة تتألف من كوب من الحليب أو شوربة خضر و100 غ من اللحم أو الدجاج أو السمك ثم بعض الفواكه وتكون هذه الوجبة الوحيدة خلال يوم وليلة. وكما رأينا فهو أقرب ما يكون إلى " صومنا الإسلامي " لذا رأينا أن نورد خلاصة لأهم الدراسات:

منها دراسة شلتون Shelton في كتابه عن الصوم Le Jeune. ودراسة لوتزنر H. lutzner في كتابه " العودة إلى حياة سليمة بالصوم " _ ترجمة الدكتور طاهر إسماعيل _. وإليكم أهم هذه الفوائد للصيام:

1.الصوم راحة للجسم يمكنه من إصلاح أعطابه ومراجعة ذاته.

2.الصوم يوقف عملية امتصاص المواد المتبقية في الأمعاء ويعمل على طرحها والتي يمكن أن يؤدي طول مكثها إلى تحولها لنفايات سامة. كما أنه الوسيلة الوحيدة الفعالة التي يسمح بطرد السموم المتراكمة في البدن والآتية من المحيط الملوث.

3.بفضل الصوم تستعيد أجهزة الإطراح والإفراغ نشاطها وقوتها ويتحسن أداؤها الوظيفي في تنقية الجسم، مما يؤدي إلى ضبط الثوابت الحيوية في الدم وسوائل البدن. ولذا نرى الإجماع الطبي على ضرورة إجراء الفحوص الدموية على الريق، أي يكون المفحوص صائماً. فإذا حصل أن عاملاً من هذه الثوابت في غير مستواه فإنه يكون دليلاً على أن هناك خللاً ما.

4.بفضل الصوم يستطيع البدن تحليل المواد الزائدة والترسبات المختلفة داخل الأنسجة المريضة.

5.الصوم أداة يمكن أن تعيد الشباب والحيوية إلى الخلايا والأنسجة المختلفة في البدن. ولقد أكدت أبحاث مورغوليس Morgulis أن الصوم وحده قادر على إعادة شباب حقيقي للجسد.

6.الصوم يضمن الحفاظ على الطاقة الجسدية ويعمل على ترشيد توزيعها حسب حاجة الجسم.

7.و الصوم يحسن وظيفة الهضم، ويسهل الامتصاص ويسمح بتصحيح فرط التغذية

8.الصوم يفتح الذهن ويقوي الإدراك.

9.للصوم تأثيرات هامة على الجلد، تماماً كما يفعل مرهم التجميل، يُجَمل وينظف الجلد.

10.الصوم علاج شاف، هو الأكثر فعالية والأقل خطراً لكثير من أمراض العصر المتنامية. فهو يخفف العبء عن جهاز الدوران، وتهبط نسبة الدسم وحمض البول في الدم أثناء الصيام، فيقي البدين من الإصابة بتصلب الشرايين، وداء النقرس، وغيرها من أمراض التغذية والدوران وآفات القلب.

و هكذا وبعد أن ينظف الجسم من سمومه وتأخذ أجهزته الراحة الفيزيولوجية الكاملة بسبب الصوم، يتفرغ إلى لأم جروحه وإصلاح ما تلف من أنسجته وتنظيم الخلل الحاصل في وظائفها. إذ يسترجع الجسد أنفاسه ويستجمع قواه لمواجهة الطوارئ بفضل الراحة والاستجمام اللذان أتيحا له بفضل الصوم.

يقول الدكتور ليك Liek: يوفر الجسم بفضل الصوم الجهد، والطاقة المخصصة للهضم، ويدخرها لنشاطات أخرى، ذات أولوية وأهمية قصوى: كالتئام الجروح، ومحاربة الأمراض.

و ليعلم أن الصائم قد يشعر ببعض المضايقات في أيام صومه الأولى، كالصداع والوهن والنرفزة وانقلاب المزاج، وهذه تفسر بأن الجسم عندما يتخلص من رواسبه المتبقية داخل الأنسجة، ينتج عن تذويبها سموم تتدفق في الدم قبل أن يلقى بها خارج الجسم، وهي إذ تمر بالدم، تمر عبر الجسد وأجهزته كلها من قلب ودماغ وأعصاب مما يؤدي إلى تخريشها أول الأمر وظهور هذه الأعراض، والتي تزول بعد أيام من بدء الصيام ?

و أخيراً فإن للصوم آثاره الرائعة على النفس البشرية، ونظراً للعلاقة الوثيقة بين الاطمئنان النفسي وصحة الجسد عموماً، فإن الآثار والفوائد النفسية التي يجنيها الصائم لها مردودها الإيجابي في حسن سير الوظائف العضوية لكل أجهزة البدن.

و من وصايا لقمان لابنه قوله: " يا بني إذا امتلأت المعدة نامت الفكرة وخرست الحكمة وقعدت الأعضاء عن العبادة ".

يقول الإمام الغزالي رحمه الله: الصيام زكاة النفس ورياضة للجسم، فهو للإنسان وقاية وللجماعة صيانة. في جوع الجسم صفاء القلب وإنقاذ البصيرة لأن الشبع يورث البلادة ويعمي القلب ويكثر الشجار فيتبلّد الذهن. أحيوا قلوبكم بقلة الضحك وقلة الشبع وطهروها بالجوع تصفو وترق ?

فالصيام ينمي الإخلاص للخالق سبحانه وتعالى، فهو سرٌ بين العبد وربه لا رقيب على تنفيذه إلا ضميره ورغبته الصادقة في رضاء الله سبحانه، وعند الجوع يزول البطر وتنكسر حدة الشهوات. وإن البطر والأشر هما مبدأ الطغيان والغفلة عن الله، فلا تنكسر النفس ولا تذل كما تذل بالجوع، فعنده تسكن لربها وتخشع له.

و هذه أمور كلها تخفف من توتر الجهاز العصبي وتهدئه. والجوع يساعد الصائم على السيطرة على نفسه. ويدعم الجوع في كسر حدة الشهوات، مراقبة الصائم الله واستشعاره أنه في عبادة له، مما يصرفه عن التفكير بالمعاصي والفواحش.

و الصيام يؤدي إلى صفاء الذهن وتقوية الإرادة وترويض النفس على الصبر. عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " الصوم نصف الصبر " [ رواه ابن ماجة والترمذي وحسنه ].

و أخيراً فإن الصوم يعمل على إيقاظ الشعور المشترك في صفوف الأمة حيث يذوق الجميع غنيهم وفقيرهم آلام الجوع ومرارة العطش ?



التداوي بالصوم

استخدم الجوع كوسيلة علاجية منذ أقدم العصور ? ولجأ إليه أطباء اليونان أمثال أسكابياد وسيلوس لمعالجة كثير من الأمراض التي استعصيت على وسائل المداواة المتوفرة لديهم حينئذ. وفي القرن الخامس عشر قام لودفيفو كورنا باستعمال الصوم في معالجة مختلف الأمراض المعندة وطبق طريقته في الصوم على نفسه وعاش ما يقارب مائة سنة وهو بصحة جيدة بعد أن كان يعاني من داء عضال، وألف في أيامه الأخيرة رسائل في المعالجة بالصوم تحت شعار " من يأكل قليلاً يعمر طويلاً " ?

و لعل هذا نجده في ظلال الآية الكريمة: { كلوا واشربوا ولا تسرفوا } [ سورة الأعراف: الآية 31 ].

و نستشعره أبداً في توجيهات النبي الكريم عليه الصلاة والسلام ومنها قوله: " ما ملأ ابن آدم وعاءً شراً من بطنه، بحسب ابن آدم لقيمات يقمن صلبه " [ رواه الترمذي ].

و مع بداية عصر النهضة نشطت الدعوة من جديد إلى المعالجة بالصوم في كل أوربا منها ما كتبه الطبيب السويسري بارسيلوس ?: إن فائدة الصوم في العلاج تفوق مرات ومرات استخدام الأدوية المختلفة. أما فينيامين _ الأستاذ في جامعة موسكو _ ? فقد كتب يقول: لو راقبنا الإنسان عن كثب لوجدنا أن نفسه تعاف الطعام وترفضه في بعض الفترات، وكأنها بذلك تفرض على نفسها الصيام المؤقت الذي يؤمن لها التوازن الداخلي ويحفظها من المؤثرات الخارجية.

و من فرنسا عمد الدكتور هلبا Helba _ 1911 _ إلى طريقة المعالجة بالصوم على فترات متقطعة، فكان يمنع الطعام عن مرضاه خلال بضعة أيام، يقدم لهم بعدها وجبات خفيفة.

و في عام 1928 ألقى الدكتور دترمان في المؤتمر الثامن لاختصاصي الحمية الغذائية في أمستردام محاضرة، دعا فيها إلى استخدام الجوع على فترات متقطعة في الممارسة الطبية. وقد أقر المجتمعون فائدة الصيام لمعالجة الأمراض الناجمة عن فرط التغذية أو اضطراب الاستقلاب وفي حالات تصلب الشرايين وارتفاع الضغط الدموي وفي الاختلاجات العضلية ?

و في عام 1941 صدر كتاب بوخنجر "المعالجة بالصوم كطريقة بيولوجية "، شرح فيه المؤلف كيفية استخدام الصوم في معالجة كثير من الأمراض المستعصية، ويبين أن الجوع يغير من تركيب البنية العضوية للجسم ويؤدي إلى طرح السموم منه ?



معالجة البدانة بالصيام:

حظيت البدانة وما يرافقها من اضطراب استقلاب الدسم اهتماماً كبيراً، بل وإجماعاً لدى المؤلفين حول استفادتها من العلاج بالصوم. ذلك أن السمنة المفرطة وازدياد تراكم الشحوم في البدن تشكل خطراً حقيقياً على حياة الشخص من جراء تعرضه لآفات شديدة الخطورة: كتصلب الشرايين، وارتفاع الضغط الدموي، وتشمع الكبد، والعنانة، والداء السكري، وأمراض القلب العضوية، والنزيف الدماغي، وغيرها.

و للبدانة أسباب ولكن أهمها تضخم المدخول الغذائي نسبة للمجهود العملي الذي يقوم به الشخص وهي مرتبطة بعوائد التغذية التي تعود عليها الشخص منذ صباه ?

و يعتبر الصيام وسيلة غريزية مجدية في إذابة الشحوم في البدن واعتدال استقلاب الأغذية فيه. كما أن مشاركة الجوع بالعلاجات الفيزيائية كالمشي والتمارين الرياضية والتدليك والحمامات المائية تعطي أفضل النتائج، فضلاً عن أنها وسائل غير مؤذية ولا تقضي إلى النتائج الوخيمة المشاهدة عند استعمال الهرمونات والمدرات ومثبطات الشهية التي يهرع إليها البدينون بغية إنقاص وزنهم ?

و يرى بلوم W. Bloom أنه بفضل الصوم يستطيع الإنسان تحمل مسؤولياته على وعي كامل منه وحزم. وينتبه للعيب الذي أصابه جسدياً ونفسياً مما يقوي لديه العزيمة والصبر على تحمل الجوع، علماً بأن الصائم يفقد الإحساس بالجوع بعد اليوم الرابع من بدء العلاج. هذا وتوصي كتب الطب الإنسان البدين أن يصوم بضعة أيام كل أسبوع صياماً جزئياً يقتصر فيها على اللبن والفواكه والماء ?

و هناك مدارس توصي بالصيام المطلق عن الطعام لمدد مختلفة على أن تكون تحت إشراف طبي ويزود المعالج بالماء والشوارد اللازمة ? . ويرى فيدوتوف أن البدين يتحمل الجوع بشكل جيد ويوصي بالصوم لمدة 5 – 15 يوماً تعقبها فترات استراحة يتناول فيها المريض وجبات خفيفة. ولم يلاحظ عند المعالجين أي اضطراب في حالتهم الصحية أو بتغيرات مخبرية مرضية.

0 التعليقات: