لا حرج على الصائم
لا حرج على الصائم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيد المرسلين نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين وبعد: فإن الشريعة لما أوجبت على العباد عبادات بدنية ومالية راعت في ذلك طاقتهم ووسعهم فلم تكلفهم فوق طاقتهم قال تعالى: (لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا).
وقد جاءت الشريعة أيضا بنفي الحرج والمشقة عن العباد قال تعالى: (مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ). وجاءت أيضا بتيسير الدين فشرعت فيه الرخص العامة والخاصة الدائمة والعارضة كما قال رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم: (إن الله يحب أن تؤتى رخصه كما يحب أن تؤتى عزائمه). رواه أحمد.
ومن هذه العبادات العظيمة عبادة الصوم الذي حقيقته الإمساك عن المفطرات من طلوع الفجر إلى غروب الشمس طاعة لله وقد يشكل على الصائم مسائل وتصرفات أثناء صومه وهي مباحة من حيث دلالة النصوص ومنصوص بعض الفقهاء فرغبت في بيانها على سبيل الإختصار توعية للصائم ورفع الحرج عنه ليكون على بصيرة في أمر دينه وينتفي عنه القلق والتردد في عبادته.
ونفي الحرج عن الصائم في أمور:
أولا: في النية:
(1) لا حرج في ابتداء صوم النفل من أي ساعة من النهار ولو بعد الزوال كما نقل عن الصحابة إن كان لم يفطر ولا يشترط النية من الليل لما في صحيح مسلم عن عائشة رضي الله عنها قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم: (يا عائشة هل عندكم شيء قالت فقلت يا رسول الله ما عندنا شيء قال فإني صائم(. أما الفرض فيشترط تبييت النية من الليل لحديث حفصة رضي الله تعالى عنها: (أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من لم يجمع الصيام قبل الفجر فلا صيام له). رواه أهل السنن.
(2) لا حرج على الصائم أن يقطع صومه في النفل إن عرضت له حاجة أو رجا تحقق مصلحة متعدية لأن النبي صلى الله عليه وسلم دعا بشراب فشرب ثم ناول أم هانئ فشربت فقالت أما إني كنت صائمة فقال صلى الله عليه وسلم: (الصائم المتطوع أمير نفسه إن شاء أفطر وإن شاء صام). رواه أحمد. أما من دخل في قضاء واجب أو نذر او كفارة لم يجز قطعه والخروج منه بلا خلاف.
(3) لا حرج على الصائم أن ينوي نية واحدة من أول الشهر لجميع رمضان ولا يشترط أن ينوي نية لكل يوم من رمضان لأن صوم رمضان عبادة واحدة متصلة فتكفيه نية واحدة كالصلاة والحج والنية سهلة لا تحتاج إلى تكلف وتثبت بالسحور وغيره مما يدل على العزم على الصوم غدا والتلفظ بها عمل ليس له أصل في السنة ولا يعرف عن الصحابة رضي الله عنهم.
(4) لا حرج على الصائم أن يحول نيته من صوم القضاء والنذر إلى نية النفل ويكون صومه حينئذ تطوعا كما يباح قلب نيته في الصلاة من الفرض إلى النفل لأنه تحول من الأعلى إلى الأدنى ويحرم قلب نيته من صوم النفل إلى الفرض لأنه تحول من الأدنى إلى الأعلى.
ثانيا: في المفطرات:
شدد بعض الفقهاء من باب الورع والاحتياط في جملة من المفطرات بناء على قاعدة عندهم في باب المفطرات وهي أن كل ما نفذ إلى الجوف كان مفطرا ولو لم يكن له منفذ معتاد إلى الجوف وقد اعترض عليهم بعض المحققين وبينوا أن الأصل عدم التفطير إلا إذا كان ينفذ إلى الجوف من منفذ معتاد أو شبه معتاد وكان منصوصا عليه أو في معنى المنصوص عليه وهذا القول هو الصواب من جهة النقل وموافقة قاعدة الشريعة في التيسير ورفع الحرج.
وهذه الأمور لا تفطر الصائم:
(1) لا حرج على الصائم في ابتلاع الريق لأنه ليس مفطرا ولا يمكن التحرز منه ولا يشرع التشديد فيه لأنه من التكلف المنهي عنه ويفتح باب الوسواس وكذلك لا حرج عليه في ابتلاع بقايا الطعام والدم ونحوه مما يجري به الريق سهوا من غير قصد منه لأنه معذور أما ما يخرج من جوفه من النخامة ويصل إلى الفم فينبغي إخراجها ولا يبتلعها لأنها مستقذرة ولا تفطر على الصحيح إن تعمد بلعها لأنها من جنس الريق وهي شيئ معتاد لم تدخل من خارج الفم ولا يتغذى بها البدن ولا تؤثر على صومه والأصل سلامة الصوم وعدم إفساده إلا بيقين وهذا متعذر في هذه المسألة والقول بالفطر فيه مشقة ظاهرة على الناس وهذا القول رواية عن أحمد ومذهب الحنفية والمالكية.
(2) استعمال الكحل في العين لأن العين ليست منفذا للجوف وقد ورد حديث في فعله والنهي عنه وكلاهما لا يصح قال الترمذي: (لم يصح عن النبي صلى الله عليه وسلم في باب الكحل للصائم شيء). وقد كان أنس رضي الله عنه يكتحل وهو صائم كما ورد في سنن أبي داود.
(3) استعمال قطرة الأذن لأنها ليست منفذا للجوف ولم يرد فيها نص وكذلك غسول الأذن لا تفطر.
(4) استعمال قطرة الأنف عند الحاجة للدواء ما لم يتحقق وصولها إلى الحلق فإن تحقق وصوله للحلق أفطر وقضى ذلك اليوم لأن الأنف منفذا معتبرا للجوف لقول النبي صلى الله عليه وسلم للقيط بن صبرة: (وبالغ في الإستنشاق إلا أن تكون صائما). رواه الترمذي.
(5) استعمال بخاخ الربو عند الحاجة لذلك لأنه أكسجين وفيه نسبة يسيرة من الدواء وهو علاج للجهاز التنفسي وأكثره ينفذ إلى الرئة وجزء يترسب في البلعوم وجزء يسير جدا يصل إلى المعدة لا يتغذى منه البدن ولا يشعر به الصائم ويعفى عنه كما يعفى عن أثر السواك والمضمضة المعفي عنه شرعا وكذلك بخاخ الأنف لا يفطر.
(6) لا حرج على الصائم أن يتذوق الطعام والشراب للحاجة في الطبخ ويكره بلا حاجة قال ابن عباس رضي الله عنه: (لا بأس أن يتطعم القدر أو الشيء). رواه البخاري تعليقا. ولكن يجب عليه أن يلفظه ولا يبتلعه وإن ابتلعه متعمدا فسد صومه.
(7) وضع الأطياب بأنواعها لكونها غير مفطرة وليس لها جرم ينفذ إلى الجوف أما البخور فقد ذكر الفقهاء أن له جرم ينفذ إلى الجوف فمنعوا من قصد استنشاقه.
(8) استنشاق الروائح الزكية من الأزهار والنباتات والتوابل لأنه ليس لها جرم يدخل في الجوف.
(9) وضع أصباغ الزينة على الوجه لأن البشرة ليست منفذا للجوف.
(10) وضع الكريمات والمراهم على البشرة لأن البشرة ليست منفذا للجوف. وكذلك وضع الحناء على الشعر والبدن لا يفطر.
(11) الاغتسال والتبرد بالماء لأنه لا يفطر شرعا بشرط عدم ابتلاع الماء.
(12) قص الشعر والأظفار أثناء الصوم لأن ذلك لا يؤثر على الصوم.
(13) استعمال الإبر العلاجية التي تحقن في الجلد والعضل والوريد للعلاج لأنها ليست في معنى الطعام المغذي ولا تصل إلى الجوف أما الإبر الوريدية المغذية التي يقصد منها التغذية فتفطر لأنها في معنى الأكل والشرب فتدخل في حكم الطعام في دلالة النصوص ومقتضى النظر ولذلك فإن المتناول لها يستغني عن الطعام والشراب.
(14) أخذ عينة من الدم والتبرع به لأن الشرع لم يعتبره مفطرا وأكثر الفقهاء على القول بجواز الحجامة للصائم وما ورد فمنسوخ لما روى البخاري عن ابن عباس رضي الله عنهما: (أن النبي صلى الله عليه وسلم احتجم وهو محرم واحتجم وهو صائم). وكذلك ما يخرج من رعاف الأنف وجروح البدن لا يفطر.
(15) إدخال المنظار عن طريق الفم أو فتحة الشرج لأن المنظار ليس في معنى الطعام الذي يتغذى به البدن ولأن دخوله مؤقت لا يستقر داخل المعدة لكن يشترط أن لا يوضع عليه دهن يتغذى به البدن.
(16) إدخال التحاميل والغسول والمنظار للمهبل لأنه ليس منفذا معتادا للجوف. وكذلك ما يدخل في ذكر الرجل بكل الأنواع لا يفطر لأنه ليس منفذا للجوف.
(17) استعمال فرشاة الأسنان قياسا على السواك والمضمضة ولكن بشرط التأكد من عدم دخول المعجون للحلق.
(18) التسوك بالسواك أول النهار وآخره ولا كراهة له بعد الزوال ولا يصح النهي الوارد في حديث: (إذا صمتم فاستاكوا بالغداة ولا تستاكوا بالعشي). رواه الدارقطني.
(19) معالجة الأسنان وقلعها وتنظيفها ولو خرج دم من جراء ذلك بشرط عدم ابتلاع شيء منه.
(20) الأكل والشرب ناسيا لأن الشارع عفى عنه كما ثبت في الصحيحين من حديث أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم: (من نسي وهو صائم فأكل أو شرب فليتم صومه فإنما أطعمه الله وسقاه(.
(21) تقبيل الزوجة ومباشرتها إذا كان الصائم يملك نفسه ويأمن عدم ثوران الشهوة أما إذا كان لا يملك نفسه فيحرم لحديث أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقبلني وهو صائم وأيكم يملك إربه كما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يملك إربه). رواه مسلم. ولا يفسد صومه إلا بالإنزال.
(22) مجامعة الزوجة وهو ناسي صومه ولا قضاء عليه ولا كفارة على الصحيح لعموم قوله تعالى: (رَبَّنَا لاَ تُؤَاخِذْنَا إِن نَّسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا). وقياسا على الأكل والشرب حال النسيان.
(23) إذا خرج من الصائم مذي لا يفسد صومه على الصحيح وعليه الإتمام ولا قضاء عليه ولا كفارة لأن خروج المذي ليس مفطرا في الشرع أما خروج المني دفقا بلذة بالإستمناء وغيره فيفسد الصوم وعليه التوبة والقضاء لما في الصحيحين: (يترك طعامه وشرابه وشهوته لأجلي).
(24) لا حرج على الصائم إذا خرج منه مني أثناء النوم عن احتلام ولا يفسد صومه ولا يؤثر في صحته بالإتفاق لأن الصائم لم يتعمد إنزال المني ولم يكن في اختياره وقد عفى الله عن ذلك. وكذلك لو خرج منه المني لمرض أو سقوط بلا قصد منه لم يفسد صومه.
(25) لا حرج على الصائم إذا خرج منه القيء بغير قصد منه لحديث: (من ذرعه القيء فليس عليه قضاء ومن استقاء عامدا فليقض). رواه أبوداود. أما إذا تعمد ذلك فعليه القضاء.
(26) لا حرج على الصائم فرضا ونفلا لو ترك السحور فلم يتسحر لنوم ونحوه وصومه صحيح لأن السحور سنة مؤكدة وليس بواجب لما في الصحيحين من حديث أنس: (تسحروا فإن في السحور بركة).
(27) لا حرج على الصائم أن يطلع عليه الفجر وهو جنب لم يغتسل لأن الطهارة ليست شرطا من شروط الصوم لما في الصحيحين من حديث عائشة رضي الله عنها: (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصبح جنبا من جماع ثم يغتسل ويصوم). وكذلك الحائض إذا طهرت قبل الفجر وأمسكت واغتسلت بعد الفجر صومها صحيح.
(28) لا حرج على الصائم إذا أكره على الفطر في الصوم الواجب ولا يأثم بذلك وعليه أن يتم الصوم وصومه صحيح ولا يلزمه القضاء على الصحيح لقوله تعالى: (وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُم بِهِ وَلَٰكِن مَّا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ).
ثالثا: في وقت الصوم:
(1) لا حرج على الصائم أن يأكل أو يشرب ليلا حتى يتيقن أو يغلب على ظنه طلوع الصبح فيجب الإمساك أما بمجرد الشك فلا يلزمه الإمساك لقوله تعالى: (وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ). وما اشتهر عند الناس من الإمساكية قبل الفجر بعشر دقائق فعمل لا أصل له في الشرع والسنة على خلافه. أما إذا أكل خطأ يظن أن الليل باق ثم تين أنه قد أصبح فصومه باطل وعليه القضاء لأنه لم يتم صومه وهذا مذهب الأئمة الأربعة.
(2) لا حرج على الصائم في مواصلة الصوم إلى السحر ليوم واحد لأن النبي صلى الله عليه وسلم رخص في ذلك ونهى عن الوصال أكثر من يوم لما روى ابن عمر قال: (واصل رسول الله صلى الله عليه وسلم في رمضان فواصل الناس فنهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الوصال فقالوا إنك تواصل قال إني لست مثلكم إني أطعم وأسقى). متفق عليه.
(3) لا حرج على الصائم إذا طرأ عليه النوم لمرض وعذر فاستغرق كل النهار ولا يؤثر على صومه وصومه صحيح ولا يلزمه القضاء لأن النوم لا يزول فيه العقل ولا يفسد الصوم كما نص على ذلك ابن قدامة وغيره ويحرم على الصائم أن يتخذ النوم عادة له بغير عذر طيلة النهار مع تفويت الصلوات لأنه من التفريط الذي ورد فيه الوعيد.
(4) لا حرج على الصائم أن يسافر في رمضان إلى بلد ساعات الصوم فيه قليلة أو يسافر إلى بلد بارد ليخفف على نفسه شيئا من عناء الصوم لأن هذا الفعل من التروح المباح ويقوي على العبادة وكثرة النصب ليس مقصودا في الشرع وقد ورد في سنن أبي داود: (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصب على رأسه الماء وهو صائم من العطش أو من الحر). ويحرم على الصائم أن يسافر لقصد الفطر لأنه حيلة لإسقاط الفرض وهو من جنس فعل اليهود لعنهم الله وأذهب دولتهم.
رابعا: الأعذار المبيحة للفطر:
(1) لا حرج على الصائم أن يفطر إذا سافر عند مفارقة بنيان المدينة لأن الرخصة تبدأ من الشروع في السفر ولا يحل له الفطر من بيته وقد إتفق أهل العلم على ذلك وما روي عن بعض الصحابة في إباحة الفطر من البيت لا يصح ولو صح فهو مخالف للأصول.
(2) لا حرج على الصائم أن يفطر لعذر المرض والحمل والإرضاع مما يتعذر فيه الصوم أو يشق مشقة ظاهرة لحديث: (إن الله وضع عن المسافر شطر الصلاة والصوم عن المسافر وعن المرضع والحبلى). رواه أبوداود, ثم يقضون ما أفطروا فيه.
(3) لا حرج على المريض الذي لا يرجى برؤه والكبير الذي لا يطيق الصوم أن يفطران ثم يطعمان عن كل يوم مسكينا لقوله تعالى: (وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ). قال ابن عباس: (ليست منسوخة هو للشيخ الكبير والمرأة الكبيرة لا يستطيعان أن يصوما فيطعمان مكان كل يوم مسكينا).
(4) لا حرج على الصائم أن يفطر إذا اشتد عليه الحر أو أصابه ظمأ شديد من عناء العمل وأصابته مشقة عظيمة يخشى منها الهلاك أو المرض المحقق لقوله تعالى: (وَلاَ تُلْقُواْ بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ). وقد نص الشافعية والمالكية على الرخصة في ذلك.
(5) لا حرج على الصائم أن يفطر إذا رأى معصوما أشرف على الهلاك فقام بإنقاذه لأنه من باب الضرورة كما رخص أهل العلم في ذلك ثم يقضي ذلك اليوم.
(6) لا حرج على الصائم أن يصوم أثناء السفر إذا كان لا يشق عليه ذلك وهو مخير في سفره بين الفطر والصوم ويفعل ما هو أرفق به والفطر والصوم ثابتان عن النبي صلى الله عليه وسلم في السفر والرخصة مرتبطة بوصف السفر لا بالمشقة ويحرم عليه الصوم مع الضرر.
(7) لا حرج على الصائم إذا كان مسافرا بأهله أن يجامع امرأته في شهر رمضان لأنه يباح له الفطر بأي مفطر سواء كان بالجماع أم بغيره ولا يجب عليه الصوم ويجب عليه القضاء بلا كفارة.
(8) لا حرج على الصائم أن يفطر في سفره بعد ما كان صائما أول النهار لأن النصوص المبيحة للفطر مطلقة غير مقيدة ولفعل النبي صلى الله عليه وسلم كما ثبت في الصحيحين ولأنه معذور ويكفيه القضاء أما من منع ذلك وأوجب القضاء والكفارة في الجماع فقوله ضعيف لا دليل عليه.
(9) لا حرج على الصائم أن يفطر في الجهاد ليتقوى على ملاقاة العدو كما رخص النبي صلى الله عليه وسلم بذلك كما جاء في حديث أبي سعيد أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: (إنكم قد دنوتم من عدوكم والفطر أقوى لكم فكانت رخصة فمنا من صام ومنا من أفطر). رواه مسلم.
خامسا: في قضاء الصوم:
(1) لا حرج للصائم في قضاء رمضان متفرقا ولا يجب التتابع على الصحيح لأن الله ذكر القضاء مطلقا من غير تتابع بقوله: (فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ). وقال ابن عباس: (إن شاء تابع وإن شاء فرق).
(2) لا حرج للصائم في تأخير القضاء إلى شعبان لقول عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها: (كان يكون علي الصوم من رمضان فما أستطيع أن أقضيه إلا في شعبان لمكان النبي صلى الله عليه وسلم). متفق عليه. واتفق أهل العلم على تحريم تأخير القضاء إلى دخول رمضان الثاني وقضى الصحابة على من أخر لغير عذر الإطعام عن كل يوم مسكينا.
(3) لا حرج للصائم أن يتطوع بالست من شوال وعرفة وعاشوراء وغيرها من النوافل قبل قضاء الواجب على الصحيح لأن وقت القضاء موسع كالصلاة ولفعل عائشة رضي الله عنها والأفضل المبادرة بالقضاء.
سادسا: في التطوع:
(1) لا حرج للصائم في التطوع في سائر الأيام إلا ما ورد النهي عن صومه كيومي العيد وأيام التشريق لغير العاجز عن الهدي وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يتابع الصوم فترة ثم يتابع الفطر فترة على حسب شغله وفراغه كما ثبت في الصحيحين.
(2) لا حرج للصائم في صوم يوم الجمعة إذا قرنه بصوم يوم قبله أو يوم بعده ويكره إفراده لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (لا يصومن أحدكم يوم الجمعة إلا أن يصوم يوما قبله أو يوما بعده). متفق عليه. أما إذا لم يقصد الصائم إفراده ولكن وافق يوم عرفة أو قضاء أو عادة له في التطوع فلا حرج لأن النبي صلى الله عليه وسلم رخص في ذلك كما ثبت في صحيح مسلم.
(3) لا حرج على الصائم أن يفرد صوم يوم السبت في التطوع على الصحيح ولا كراهة في ذلك وأما النهي الوارد عن إفراد السبت فيما رواه أهل السنن عن عبد الله بن بسر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا تصوموا يوم السبت إلا فيما افترض عليكم). فهو حديث شاذ مخالف للصحيح وأعله النقاد من أهل الحديث بالاضطراب.
(4) لا حرج للصائم في التطوع بعد منتصف شعبان لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يكثر الصوم في شعبان كما ثبت في الصحيحين من حديث عائشة رضي الله عنها أما حديث النهي عن ذلك فحديث منكر ضعفه النقاد من أهل الحديث.
(5) لا حرج على الصائم أن يصوم الأيام التي تتقدم رمضان إذا وافق ذلك عادة له كصوم يوم الإثنين والخميس أو صوم يوم وإفطار يوم أما إذا لم تكن له عادة فينهى عن ذلك لما ثبت في الصحيحين: (لا تقدموا رمضان بصوم يوم ولا يومين إلا رجل كان يصوم صوما فليصمه).
(6) لا حرج على الصائم في أن يلتزم صوم يوم وفطر يوم على الدوام إذا كان يطيق ذلك ولا يمنعه عن أداء الواجب وهو صوم داود عليه السلام وقد فضل النبي صلى الله عليه وسلم هذا التطوع على ما سواه في قوله لعبد الله بن عمرو بن العاص : (فصم يوما وأفطر يوما وذلك صيام داود عليه السلام وهو أعدل الصيام قلت إني أطيق أفضل منه يا رسول الله قال لا أفضل من ذلك). متفق عليه. ويكره له أن يسرد الصوم طيلة أيام السنة مع ترك صوم العيدين وأيام التشريق لأنه يوهن البدن ويفوت المصالح ويفضي إلى التقصير في الفرض والقيام بحق من تحت ولايته وهو داخل في صوم الدهر الذي نهى عنه النبي صلى الله عليه وسلم: (لا صام من صام الدهر). رواه البخاري. وسئل النبي صلى الله عليه وسلم عن صيام الدهر فقال لا صام ولا أفطر). رواه مسلم.
0 التعليقات: